الحلقة الثالثة (العرب في المونديال)

العرب في المونديال - الحلقة الثالثة

في أول ظهور له في نهائيات كأس العالم، قدم منتخب تونس عروضاً كانت الأروع منذ بدء مشاركات منتخبات القارة السمراء في المونديال، محققاً نتائج سجلت بحروف من ذهب في تاريخ البطولة وساهمت بشكل كبير في تطور كرة القدم الأفريقية خلال العقود التالية.

الطريق إلى الأرجنتين
بعد العروض القوية التي قدمها المنتخب المغربي في مونديال 1970، غابت المنتخبات العربية عن النسخة التالية في ألمانيا الغربية، وكان المنتخب الممثل لقارة أفريقيا هو المنتخب الزائيري الذي ظهر بشكل متواضع وتلقى ثلاثة هزائم متتالية منهم هزيمة ساحقة أمام يوغسلافيا بنتيجة 1-9.
ثم جاءت تصفيات مونديال 1978 لتشهد بزوغ نجم منتخب عربي جديد، وهوالمنتخب التونسي. فمع جيل من النجوم هو الأبرز في تاريخ الكرة التونسية حتى يومنا هذا، وتحت قيادة المدرب الوطني المتميز عبد المجيد شتالي كان التأهل منطقياً إلى حد كبير.
وكانت أصعب الاختبارات في الدور الأول عندما واجه منتخب المغرب بطل أفريقيا. ونجح نسور قرطاج في العبور للدور التالي بركلات الترجيح بعد التعادل 1-1 ذهاباً وإياباً، ليمحوا بذلك الذكريات الحزينة لتصفيات مونديال 70 عندما خرجوا أمام أسود الأطلس بعد قرعة بعملة معدنية لعدم اعتماد ركلات الترجيح حينها للفصل بين الفرق المتعادلة.
في الدور الثاني تجاوز نسور قرطاج عقبة المنتخب الجزائري بالفوز بهدفين في تونس والتعادل في الجزائر 1-1، ثم أقصوا غينيا من الدور الثالث بخسارتهم في كوناكري صفر-1 ثم الفوز على ملعبهم 3-1، ليبلغوا الدور النهائي حيث كان عليهم مجابهة منتخبي مصر ونيجيريا من أجل مقعد واحد في المونديال.
تعرضت الجماهير التونسية لخيبة أمل كبيرة بعد أن افتتح الفريق مشواره في الدور النهائي بتعادل سلبي على ملعبه أمام نيجيريا، لكنه نجح في التعويض بعد أقل من شهرين بفوز ثمين على النسور الخضر في لاغوس 1-صفر.
وأمام منتخب مصر في القاهرة سقط نسور قرطاج بنتيجة 2-3 بعد مباراة مثيرة للغاية، لتكون المباراة الأخيرة في تونس هي الحاسمة، إما الفوز والمونديال أو انتظار المواعيد القادمة.
الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر من عام 1977، يوم سيبقى في ذاكرة عشاق الكرة التونسية لفترة طويلة، فنسور قرطاج حققوا فوزاً ساحقاً على الفراعنة بأربعة أهداف مقابل هدف لتنطلق الاحتفالات في جميع المدن التونسية بعد بلوغ المونديال للمرة الأولى في تاريخهم.

جيل ذهبي

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 2010525215

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 2010525215

لم ترحم قرعة النهائيات نسور قرطاج حيث وجد الفريق نفسه في المجموعة الثانية أمام ألمانيا الغربية حاملة اللقب وبولندا صاحبة المركز الثالث في المونديال الفائت، بالإضافة إلى المكسيك بطلة الكونكاكاف وصاحبة الخبرة الطويلة في البطولة.
وتوقع الكثير من الخبراء عروضاً متواضعة كتلك التي قدمتها زائير في النسخة الماضية، ولكن التونسيون لم يهتموا كثيراً بتلك التوقعات، فقد كان هناك ثقة كبيرة في قدرة أبناء المدرب شتالي على تقديم عروض مشرفة في البطولة.
ولم لا والفريق يضم بين صفوفه جيل من أفضل اللاعبين الذين مروا على تاريخ الكرة الأفريقية، بدءاً من طارق دياب الفائز بالكرة الذهبية التي تمنح لأفضل لاعب في القارة السمراء عن عام 1977، ومروراً بحمادي العقربي ورؤوف بن عزيزة ومحمد علي عقيد وتميم الحزامي وأحمد فرس، ثم نجيب غميض وخميس العبيدي ومختار ذويب وعلي كعبي وعمر الجبالي، وأخيراً الحارس الشهير عتوقة.
وكانت بطولة أمم أفريقيا في غانا بداية عام 1978 هي أفضل إعداد للمنتخب التونسي قبل المونديال حيث قدم الريق عروضاً قوية وخرج بشرف من الدور قبل النهائي أمام أصحاب الأرض. كما خاض معسكرات إعدادية في تونس وأوروبا تخللها مباراتين وديتين أمام هولندا وفرنسا.

فوز تاريخي

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 201052534906

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 201052534906

المكان هو ملعب غيغانتي دي أروييتو في مدية روزاريو شمال شرق الأرجنتين، والتاريخ هو الثاني من حزيران/يونيو 1978، أما الحدث فهو أول مباراة للمنتخب التونسي في نهائيات كأس العالم، والذي كان عليه افتتاح مشواره بمواجهة منتخب مكسيكي يضم بين صفوفه عدد من اللاعبين المتميزين في مقدمتهم الثنائي الهجومي فيكتور رانغيل واللاعب الشاب هوغو سانشيز الذي سيصبح بعد بضعة أعوام واحداً من أبرز نجوم الدوري الإسباني مع ريال مدريد.
أبرز مفاجآت التشكيلة التونسية كانت الاعتماد على الحارس مختار النايلي كأساسي بدلاً من النجم الشهير عتوقة، بعد أن خسر الأخير مكانه لتذبذب مستواه خلال المعسكر التدريبي قبل البطولة.
والجدير ذكره، أن عتوقة، الذي كان حينها واحداً من أبرز حراس القارة السمراء، لم يبد أبداً اعتراضه على القرار وتلقاه بصدر رحب من أجل مصلحة الفريق، في موقف يحسب له ويعطي درساً في الوفاء والالتزام للأجيال الحالية.
انتهى الشوط الأول بتقدم أحفاد الأزتيك بهدف دون مقابل سجله أرتورو فازيكيز في الدقيقة الأخيرة من ركلة جزاء احتسبها الحكم الاسكتلندي جون غوردون بعد أن أصدمت الكرة بيد عمر الجبالي داخل المنطقة، وكان من الممكن أن تكون النتيجة أكبر لولا تألق الحارس النايلي.
ولكن الحال اختلف تماماً في الشوط الثاني، الذي كان من أبرز الأشواط التي لعبها أي منتخب أفريقي في المونديال حتى يومنا هذا، فظهر نسور قرطاج بشكل مغاير عبر أداء جماعي هجومي غاية في الإثارة، ونجحوا في التعديل في الدقيقة 55 عبر تسديدة رائعة من على أطراف المنطقة لعلي كعبي بعد تمريرة استعراضية من العقربي.
واستمر التألق التونسي فأضاف نجيب غميض الهدف الثاني في الدقيقة 79 بعد انطلاقة رائعة في الجهة اليسرى، ثم صنع الهدف الثالث قبل صافرة النهائية بثلاث دقائق بتمريرة بينية رائعة لمختار ذويب، لتنتهي المباراة لصالح نسور قرطاج بثلاثة أهداف لهدف واحد.
وهو فوز أدخل الفريق التاريخ بعد أن أصبح أول منتخب أفريقي يحقق الفوز في النهائيات منذ انطلاقها في عام 1930، كما أنه ساهم بشكل كبير في رضوخ الفيفا لطلبات الكاف في منح القارة السمراء مقعدين مباشرين في البطولة بدءاًًَ من عام 1982.

لاتو ينقذ بولندا

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 201052553546

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 201052553546

وعلى نفس الملعب، كانت ثاني مواجهات الفريق أمام منتخب بولندا ثالث العالم عام 1974، وكانت البداية صعبة مع القوة الهجومية الضاربة في الفريق الأوروبي بقيادة سيب بونييك وغريغور لاتو هداف المونديال الفائت.
ورغم تألق الحارس النايلي نجح البولنديون في هز الشباك التونسية قبل دقيقتين من نهاية الشوط الأول عبر لاتو بعد خطأ في تشتيت الكرة من الكعبي.
وتحسن أداء الفريق التونسي في الشوط الثاني وهاجموا بقوة من أجل التعديل لكن الدفاع البولندي والحارس يان توماتشفسكي وقفوا لهم بالمرصاد، كما منعتهم العارضة من هدف محقق عبر الحزامي ليخسروا اللقاء في النهاية بهدف يتيم.
ورغم هذه الهزيمة كان ما زال هناك فرصة للفريق من أجل بلوغ الدور الثاني ودخول التاريخ في حالة تحقيق الفوز على أبطال العالم في الجولة الأخيرة.

نسور قرطاج يحرجون أبطال العالم

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 201052516156

الحلقة الثالثة (العرب في المونديال) 201052516156

كان على المنتخب التونسي الانتقال لمسافة قاربت الـ 400 كلم من أجل ملاقاة نظيره الألماني الغربي في ملعب شاتو كاريراس الأولمبي بمدينة كوردوبا.
ورغم صعوبة المهمة نجح نسور قرطاج في تقديم عرض مقنع للغاية أمام أبطال العالم، وخرج النايلي بشباكه نظيفة رغم ضراوة الهجوم الألماني بوجود ديتر مولر وكارل هاينز رومينيغه وكلاوس فيشر.
كما تلاعب نجوم المنتخب التونسي بالدفاع الألماني في أكثر من مناسبة وهددوا مرمى الحارس المخضرم سيب ماير مرات عديدة، ولكن القدر لم يشأ أن ينجحوا في التسجيل لتنتهي المباراة بالتعادل السلبي ويودع الفريق المونديال بفارق نقطة واحدة عن أبطال العالم وسط إشادة كبيرة بالمستوى الرائع الذي قدمه من كل من تابع البطولة.
وكان النتائج التي حققها نسور قرطاج في مونديال 1978 أحد أهم أسباب التطور الهائل الكرة الأفريقية في السنوات التالية، فقد تغيرت نظرة الفيفا بشكل كبير نحو منتخبات القارة، ومنحتهم المزيد من المقاعد في البطولات التالية، وهو ما سمح بالتالي لمزيد من التألق لمنتخبات مثل الجزائر والمغرب في الثمانينات والكاميرون ونيجيريا في التسعينات.
وغاب نسور قرطاج بعد ذلك عن المونديال لمدة عشرين عاماً قبل ان ينجحوا في العودة من جديد خلال النسخة السادسة عشرة في فرنسا.

» الحلقة الأولى (العرب في المونديال)
» الحلقة الثانية (العرب في المونديال)
» الحلقة الرابعة (العرب في المونديال)
» حارس الشيلي يحذر من كرة المونديال
» ►►►الكرات التي لعبت بها في المونديال►►► منذ -1930- الى 201