الحلقة الأولى (العرب في المونديال)

العرب في المونديال - الحلقة الأولي

في عام 1923، أصبحت مصر أول دولة عربية تنضم للإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وهو نفس العام الذي انضمت فيه اتحادات أخرى عريقة لهذا الصرح الرياضي الكبير مثل اتحادات البرازيل والأوروغواي والبرتغال.
وخلال فترة قصيرة نجح المنتخب المصري في وضع نفسه على خارطة الكرة العالمية كأحد أبرز المنتخبات، وكان نداً صعب المراس لأعتى المنتخبات الأوروبية.
ولم يأتي ذلك من فراغ، لأن اللاعبين المصريين كانوا يملكون الكثير من الخبرة التي اكتسبوها جيلاً بعد آخر منذ نهايات القرن التاسع عشر عندما دخلت هذه الرياضة البلاد عبر جنود المستعمر البريطاني. كما أن معظم الأندية الكبرى المصرية تأسست مع مطلع القرن العشرين، وكان هناك العديد من البطولات المحلية على مستوى المدارس والأندية أبرزها الكأس السلطاني (كأس مصر حالياً) التي انطلقت منذ عام 1916.
وحقق المصريون نتائج لافتة في بداية مشاركاتهم في مسابقة كرة القدم بالدورات الأولمبية (التي كانت حينها بمثابة كأس عالم) فبلغوا ربع نهائي أولمبياد باريس عام 1924، ثم نجحوا في احتلال المركز الرابع في أولمبياد أمستردام عام 1928 بعد أن أطاحوا في طريقهم بمنتخبي تركيا والبرتغال.
ومع إقامة النسخة الثانية من نهائيات كأس العالم في القارة الأوروبية وبالتحديد في إيطاليا عام 1934، قررت مصر المشاركة في التصفيات، وأوقعتها القرعة في مجموعة ضمت تركيا وفلسطين.
في وقت لاحق انسحب الأتراك ولم يجد منتخب مصر أي عناء في تجاوز عقبة نظيره الفلسطيني بفوزه في القاهرة 7-1 وفي القدس 3-1 ليكتب بذلك الظهور الأول للعرب في المونديال. وكان نجم الفريق في التصفيات هو محمود مختار (التتش) أحد رموز النادي الأهلي، الذي سجل ثلاثية في المباراة الأولى وهدفين في المباراة الثانية.

الفراعنة في إيطاليا
ووصل المنتخب المصري إلى إيطاليا على متن الباخرة "حلوان"، وأجريت قرعة الدور الأول من البطولة، ليجد الفراعنة أنفسهم في مواجهة منتخب المجر الذي كان حينها في بداية عصره الذهبي.
ولكن رغم ذلك كان المنتخب المجري بقيادة المدرب أودون ناداش هو الأكثر قلقاً من تلك المباراة المرتقبة، فتاريخ مواجهات الفريقين لم يكن في صالح المنتخب الأوروبي.
قبل عشرة أعوام في العاصمة الفرنسية باريس تواجه المنتخبان في الدور الأول من مسابقة كرة القدم في الدور الأولمبية السابعة، وكان الفوز حينها من نصيب المصريين، وبثلاثة أهداف نظيفة. كما لعب الفريقان مباراة ودية في القاهرة عام 1932 انتهت بالتعادل السلبي.
كما أن نظام البطولة حينها كان يقضي بخروج المغلوب في مباراة واحدة، وهو ما أضفى الكثير من الحماس والعصبية على أجواء اللقاء.
سبب آخر من أسباب خوف المجريين كان غياب هدافهم ونجمهم الأول في تلك الفترة جورج ساروسي بسبب الإصابة، وهو اللاعب الذي قاد الفريق قبل البطولة بفترة قليلة لتحقيق نتيجة تاريخية في العاصمة بودابست بالفوز على إنكلترا للمرة الأولى في تاريخه 2-1 في مباراة ودية دولية.

الحلقة الأولى (العرب في المونديال) 20105172646

الحلقة الأولى (العرب في المونديال) 20105172646

المواجهة
ملعب جيورجيو آسكاريللي في مدينة نابولي الساحلية الجميلة في جنوب غرب إيطاليا كان مسرحاً للمواجهة العربية-الأوروبية الأولى في تاريخ البطولة. وكان هذا الملعب قد افتتح في عام 1928 ليكون أول ملعب خاص بفريق نادي نابولي أحد أبرز الأندية الإيطالية خلال تلك الفترة، وبني في البداية من الخشب قبل أن يشهد عملية تطوير وإعادة بناء كاملة قبل المونديال. مع العلم أنه تعرض للتدمير تماماً في عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية بعد أن تم قصفه من قبل طيران الحلفاء.
مدرب المنتخب المصري، الاسكتلندي جيمس ماكراي دفع بتشكيلة تمزج بين عناصر الخبرة والشباب مثلت أربعة أندية مصرية هي الأهلي والمختلط (الزمالك حالياً) والمصري البورسعيدي والأولمبي السكندري.
في حراسة المرمى كان هناك النجم الشاب مصطفى كامل منصور، وأمامه ظهيرين هما علي كاف وحميدو تشارلي، ثم ثلاثة لاعبين وسط هم حسين الفار وإسماعيل رأفت وحسن رجب، في حين ضم الخط الأمامي كل من محمد لطيف وعبد الرحمن فوزي وكامل مسعود ومحمد حسن ومختار التتش.
فخلال العقود الأولى لرياضة كرة القدم، غلب الطابع الهجومي على تشكيلات الفرق، وكانت خطة (2-3-5 هي السائدة) بوجود لاعبين في الدفاع وثلاثة في الوسط وخمسة في المنطقة الهجومية، وهو ما يفسر بشكل جزئي نسب التهديف العالية خلال المباريات.
مع العلم أن هذه البطولة كانت بداية ظهور تشكيلة جديدة، شهدت عودة لاعبين من الهجوم لمساندة خط الوسط، وهي تشكيلة منتخب إيطاليا الفائز باللقب تحت قيادة المدرب فيتوريو بوتزو، والتي عرفت باسم الـ "ميتودو".
ومع إطلاق الحكم الإيطالي رينالدو بارلاسينا، دانت السيطرة للمصريين بفضل أداء راقي مزج بين القوة والمهارة، ولكن بعد أقل من نصف ساعة كان المجريون متقدمين بهدفين لبال تيليكي وجيزا تولدي، وفشل قلب الهجوم المصري مختار التتش في فك شفرة الدفاع المجري، ليظن الكثيرون أن المنتخب الأوروبي في طريقه لفوز عريض.
ولكن الأمر لم يكن كذلك، فالمصريون ردوا بقوة ونجحوا في معادلة النتيجة بفضل هدفين لنجم المصري البورسعيدي عبد الرحمن فوزي صاحب التسديدات الصاروخية.
وفي الشوط الثاني تغاضى الحكم الإيطالي رينالدو بارلاسينا عن الكثير من الأخطاء الواضحة لصالح الفريق المصري مع اعتماد لاعبو المجر على العنف، وسجل التتش هدفاً ثالثاً للمصريين ألغاه الحكم بداعي التسلل، وسط الاعتراضات وصافرات الاستهجان من التسعة آلاف متفرج الذي حضروا المباراة.
بعد الهدف الملغي بدقيقة واحدة أعاد جينو فينتشي المجريين للمقدمة بهدف ثالث، وأضاف بعد ذلك تولدي هدفاً رابعاً بعد خطأ واضح على حارس المرمى المتألق مصطفى كامل منصور.
وتسبب العنف المجري في إصابة حسن رجب وخروجه، وبحسب قوانين الفيفا حينها لم يكن مسموحاً بالدفع ببدلاء، ليكمل المصريون المباراة بعشرة لاعبين وينتهي اللقاء لصالح المجر بنتيجة 4-2.
ورغم توقف قطار المشاركة العربية الأولى في الدور الأول من البطولة، نال الفراعنة الكثير من الإشادة بعد المستوى الرائع الذي قدموه، واستمرت بعد ذلك مشاركة المنتخبات المصرية في الدورات الأولمبية حتى منتصف الستينات بشكل شبه منتظم مع تحقيقها لنتائج مشرفة للغاية.
ولكن المشاركة في المونديال غابت لعقود طويلة، قبل أن ينجح الفريق في العودة من جديد بعد 56 عاماً، مرة أخرى في ملاعب إيطاليا عندما نظمت النسخة الرابعة عشرة من البطولة عام 1990.

ذكريات الحارس الشاب
في حديث مع موقع هيئة الإذاعة البريطانية قبل شهور من انطلاق مونديال 2002 حكى حارس المرمى الراحل مصطفى كامل منصور بعضاً من ذكرياته عن هذا اللقاء، فقال: " كنا الفريق الأفضل وكنا نستحق الفوز ألغى لنا الحكم هدف ثالث صحيح".
"والهدف الرابع كانت كرة عرضية ونجحت في التقاطها، ولكن اللاعب المجري صدمني بقوة وتسبب في كسر أنفي، قبل أن اسقط داخل المرمى، ولكن الحكم تغاضى عن كل ذلك واحتسب هدف للمجريين وسط سخط الجماهير الحاضرة".
وفي حديث آخر له نشر في كتاب الصحفي الشهير عبد الرحمن فهمي "حكايات رياضية" ألقى منصور المزيد من الضوء على أحداث هذا اللقاء، وقال: "أشادت الصحف العالمية بمستوي فريق مصر الطيب وكفاحهم الصلب‏.‏ ولكن كانت الإشادة الكبرى بأخلاقيات الفريق‏,‏ فقد تعمد لاعب المجر كسر ساق حسن رجب ظهير مصر الكبير ابن الأسكندرية‏,‏ ولم يكن هناك نظام البدلاء‏,‏ ولعبت مصر بدون ظهير معظم الشوط الثاني‏.‏ ومع ذلك لم يحتك أي لاعب مصري بأي لاعب من المجر‏,‏ ولم يحتج احد ولم يلفت نظر الحكم‏,‏ وهكذا خسرنا بشرف‏، وبأخلاق الفرسان"‏.
"أتذكر أن الصحافة الإيطالية انتقدت الحكم كثيراً بعد اللقاء واتهمته بمنح الفريق المجري تذكرة العبور لدور الثمانية".
يذكر أن منصور كان في سن التاسعة عشرة حينما شارك في مونديال إيطاليا، ثم أصبح بعد سنوات قليلة أول لاعب مصري يلعب في نادي أوروبي عندما انضم لفريق كوينز بارك أعرق الأندية الاسكتلندية في موسم 1938-1939 أثناء إكماله لدراسته في بريطانيا.
وقد رفض اللاعب حينها الاحتراف في الفريق الاسكتلندي مفضلاً العودة لبلاده حيث خاض مسيرة رائعة مع النادي الأهلي والمنتخب، وبعد اعتزاله تولى العديد من المناصب الهامة في التدريب والإدارة، قبل أن توافيه المنية في عام 2002

» الحلقة الثانية (العرب في المونديال)
» الحلقة الثالثة (العرب في المونديال)
» الحلقة الرابعة (العرب في المونديال)
» حارس الشيلي يحذر من كرة المونديال
» تحليل المجموعة الأولى + توقعات الصعود ( للنقاش )